انتشرت في
الآونة الأخيرة كتب التلوين الخاصة بالكبار، فلا يخلو محل لبيع الكتب الآن في
الولايات المتحدة من كتب التلوين تلك. انتاج ضخم
متنوع في تصميماته وموضوعاته يحاول استيعاب سوق متنامي من محبي التلوين من البالغين.
سرت حمى التلوين بين الكبار منذ صدور كتاب (الحديقة السرية) للرسامة الإسكتلندية
"جوانا باسفورد" عام 2013 والذي باع أكثر من مليون نسخة
على مستوى العالم. يرجع المحللون أسباب إقبال البالغين على شراء كتب التلوين إلى
ظروف الحياة الضاغطة التي جعلت كتب التلوين نوعا من العلاج بالفن فمن شأنها تقليل
التوتر وإراحة الذهن وهو الأمر الذي أكده المُلَوِّنون أنفسهم.
ولكني اكتشفت
متعة التلوين في كتب مخصصة للكبار والصغار معا قبل صدور كتاب (الحديقة السرية)
بسنوات من خلال سلسلة كتب (كان زمان) للرسام المصري القدير "حلمي التوني" والتي مازلت استمتع بين الحين والآخر بتلوينها مع ابنتي. أراد "التوني" أن
يقدم كتبا للتلوين تجمع الكبار والصغار معا بدلا من أن يعيش كل منهم في عالمه
وتصبح كتب الألوان مجرد فرصة لإلهاء الصغار حتى يتفرغ الكبار لما يشغلهم من أعمال.
لقد ساعدتني السلسلة إلى جانب قضاء وقت ممتع مع ابنتي في التلوين إلى ربطها بذاكرة
الثقافة المصرية الأصيلة البسيطة وجميلة التفاصيل، وأخص بالذكرهنا كتابيّ (أبواب
مصرية) و(فوق السطوح).
في (أبواب مصرية) يوثق الرسام لجمال وتنوع الأبواب المصرية
التي كانت كما يقول في مقدمته " تشكل لوحات فنية تزين بيوتنا وحياتنا"
ولكنها تكاد تختفي بجمالها وتميزها عن عالمنا الآن. كل رسم للتلوين له نموذج
ملون في الصفحة المجاورة للإرشاد وليس بالضرورة للنقل. يمكن للطفل التعرف أثناء
التلوين ومن خلال التفاعل مع الكبارعلى التنوع في الثقافة المصرية من خلال
الأبواب، حيث تَجِد في الكتاب أبوابا من بلاد النوبة الساحرة، ومن الأسكندرية ووجه
بحري، وأبوابا من القاهرة، ومن الصعيد. أثناء التلوين تخيلت أنا وابنتي الحكايات
والقصص التي تدور خلف تلك الأبواب، أليست الأبواب مدخلا لعوالم وحكايات؟ رسم "التوني" إلى جوار بعض الأبواب شخوصا، فأسمينا تلك الفتاة التي يبدو من باب بنايتها
أنها تعيش في شقة في المدينة "سميرة" وتخيلنا أنها تبدو قلقة بعض الشيء
فاليوم أول يوم في مدرستها الجديدة. وأسمينا تلك الفتاة
التي تفتح الباب الأزرق الخشبي في خجل "أميرة" ولكننا احترنا في تفسير
خجلها... ترى هل بالباب زائر غريب؟ وتمنينا أن يكون لنا بيت شتوي مثل البيت الذي يطل بابه
على النيل والنخيل في النوبة.
في كتاب (فوق السطوح) يوثق "التوني" لأهمية سطح
المنزل في الثقافة المصرية وذلك قبل أن تتحول أسطح المنازل كما يوضح الرسام إلى
مخازن للأشياء المهملة ومساحة لزراعة أطباق الاستقبال.
كما يتميز(فوق السطوح) بوجود نصوص قصيرة في نهاية الكتاب تشرح القصة وراء كل رسمة
من الرسومات المعدة للتلوين. بالكتاب أربع عشرة لوحة لمشاهد مختلفة من فوق أسطح
المنازل المصرية. هناك مشاهد للأطفال وهم يطعمون العصافير، أويطلقون الطائرات الورقية، أويلعبون
الحجلة، أو يراقبون عودة طائر "أبوقردان" ساعة الغروب. كما توثق الرسوم لبعض
عادات الأسر المصرية المرتبطة بالسطوح مثل نشر الغسيل، و إقامة أفران صغيرة لصناعة
ما يحتاجونه من الخبز، والاستمتاع مع العائلة بمص قصب السكر في أيام الشتاء
المشمسة، وإقامة الأفراح. من بين المشاهد التي أحبتها ابنتي مشاهد العجين والخبز، وغية
الحمام، وإطعام العصافير، وتبادل الكراسات في الليالي المقمرة حيث ابتهجت لرؤية
الوجه الضاحك للقمر. اتاح لي الكتاب أيضا فرصة مناقشة اختلاف طرق بناء البيوت بحسب
البيئات المختلفة معها، حيث انتبهتْ إلى الفرق بين أسطح البيوت المصرية وأسطح البيوت
في الولايات المتحدة التي تصنع من القرميد الأحمرفي الغالب وتصمم بشكل مائل يسهل
انحدارالثلوج ويمنع تراكمها فوق الأسطح.
أفكار كثيرة يمكن للآباء والأمهات والمعلمون
أيضا مناقشتها واستنباطها من تلك السلسلة القيمة منها: كيف نعيد لأسطح البيوت المصرية جمالها؟ هل يمكن تحويلها إلى مساحات خضراء؟ أو أن نستخدمها لوضع ألواح الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء؟ أما عن الأبواب فيمكن أن نصمم أبوابا متخيلة معا... ربما باب لمنزل سحري أو باب لحلم ما. هذا بالطبع إضافة إلى قضاء وقت ممتع في التلوين مع الأبناء والتواصل معهم وإراحة الذهن من ضغوط الحياة اليومية ولو ساعة من الزمن.
في هذه السلسلة أيضا: جدتي نفرتيتي؛ بيت
العز؛ مناظر مصرية. تصدر عن دار الشروق بمصر.