Friday, April 17, 2015

الكتب الطائرة المذهلة لمستر موريس ليسمور


 يأسرك "موريس ليسمور" بأناقته الكلاسيكية وعينيه الواسعتين الشغوفتين ودفتره الذي يحمله معه أينما ذهب يُدون فيه قصته بأفراحها وأتراحها. فكل منا قصة تستحق أن تروى وحكاياتنا التي نتداولها ونتوارثها هي التي تمنح حياتنا معنى ودفئا ولونا، هكذا يَعتقد "موريس ليسمور" الشخصية التي ابتدعها كاتب الاطفال والمخرج الأمريكي "وليام جويس"  William Joyce  واكتملت ملامحه وقصته عام 2011 عندما قدمه لأول مرة في شكل تطبيق للأيباد يحمل اسم (الكتب الطائرة المذهلة لمستر موريس ليسمور) رسوم "جو بلوم" Joe Bluhm، ثم في فيلم متحرك قصير حصل على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم متحرك لعام 2012 وأخيرا في شكل كتاب مطبوع للأطفال.

تحكي القصة عن "موريس" الذي يعشق الكتب والحكايات ويقضي معظم وقته يقرأ أو يكتب خواطره في دفتره، إلى أن اجتاح إعصار قوي مدينته فقلب حياته وحياة الناس من حوله رأسا على عقب. فيهيم "موريس" على وجهه حاملا دفتره بعدما تناثرت حروف الكلمات التي يضمها في الهواء وبعدما فقدت الحياة من حوله ألوانها  - تفقد الرسوم في القصة ألوانها ليسود اللونان الأبيض والأسود- حتى بدت له في الأفق امرأة تحلق في إنسياب بواسطة سرب بهيج من الكتب الطائرة. ينبهر "موريس" بسرب الكتب الطائرة فيقذف دفتره في الهواء ليرى إذا كان بإمكانه أن يطير كتلك الكتب التي تحلق بها المرأة، ولكن دفتره يقع على الأرض محدثا صوتا مكتوما كئيبا. تدرك المرأة أن "موريس" ببساطة يحتاج إلى قصة جيدة فترسل إليه بكتابها المفضل الذي يقف أمام "موريس" فاتحا ضفتيه لتظهر صورة بطله اللطيف "هامتي دامتي" الذي يحث "موريس" أن يتبعه. يقوده الكتاب إلى مبنى مهيب رائع ترفرف حوله الكثير من الكتب، يدلف "موريس" إلى الداخل ليجد آلاف الكتب التي دبت فيها الحياة تقف بانتظاره فاتحة صفحاتها مرحبة فيستعيد "موريس" ألوانه.


يعيش "موريس" وسط الكتب يقرأها ويعتني بها ويُعيرها إلى الناس الذين توافدوا إلي مبنى المكتبة لنجدهم وكأنهم يستردون ألوانهم المفقودة، فكلما لمس أحدهم كتابا تآلف معه وانسابت الألوان إلى جسده الذي كان من قبل مُكتسيا باللونين الأبيض والأسود. ويبدأ "موريس" في كتابة قصته مرة أخرى بأفراحها وأتراحها وتدوين أفكاره وهواجسه ومشاعره في دفتره. وتتعاقب الفصول وتمر السنوات و"موريس ليسمور" يعيش محبا مخلصا للكتب وعوالمها حتى يحين موعد رحيله عن الدنيا الذي يحمل للقاريء مشاهد مؤثرة ونهاية ناعمة ومبهجة

النسخة المطبوعة من القصة جميلة، ولكن ينبغي  الاعتراف بمتعة قراءة هذا الكتاب في نسخته الإلكترونية. فبنقرات أصابع بسيطة على شاشة الأيباد يمكن للقارئ أن يتفاعل مع أحداث القصة وتفاصيلها المختلفة، كأن يحرك الرياح ويغير الفصول ويستنطق الكتب ويعزف الموسيقى. نمضي دوما وقتا ممتعا أنا وابنتي مع "موريس ليسمور" وكتبه الطائرة حيث نعاود بين الحين والأخر قراءة الكتاب خاصة  في نسخته الإلكترونية لنستمتع بالموسيقى المصاحبة ونحرك أحداث القصة بنقرات أصابعنا.
"موريس ليسمور" وكتبه المذهلة هو تحية رقيقة وعميقة للكتب وتأثيرها في حياتنا، ولكني أراه أيضا يحمل حنينا مسبقا لزمن يغادرنا وينساب من بين أيدينا سريعا- على الأقل في هذا الجزء من العالم- وهو زمن الكتب الورقية.  كتبتُ منذ فترة تدوينة حملت عنوان رائحة الكتب عن رهبة تملكتني إزاء ما حدثتني به اخصائية إعلام ومكتبات مدرسية عن استشراف يرى أن المكتبات في شكلها التقليدي ستختفي من الولايات المتحدة تماما في غضون عشرين عاما لتحل محلها المكتبات الإفتراضية، وهو استشراف ربما تدعمه إحصائية تعود إلى عام 2012 عن مركز Pew  البحثي لشؤون الإنترنت تشير إلى أن أعداد قراء الكتب الإلكترونية في إزدياد. ففي السنة الماضية زاد عدد قراء الكتب الإلكترونية من 16% إلى 23% من الأمريكيين الذين تبلغ أعمارهم ستة عشر فما فوق، وفي الوقت ذاته انخفض عدد قراء الكتب المطبوعة من 72% إلى 67% من نفس الفئة العمرية. و فيما يتعلق بالمكتبات فقد تمت إعارة 70 مليون كتاب إلكتروني في عام 2012. وتشير إحصائية بمجلة التايمز الأمريكية إلى أن كتابا من بين كل أربعة كتب تباع بالولايات المتحدة يكون إلكترونيا.

وعودة أخيرة إلى "الكتب الطائرة المذهلة لموريس ليسمور" لنجد أن جمال رسوم القصة ينبع من جمال الكتب الورقية التي كان تكوينها طيعا في يد الرسام فجعلها ترفرف وترقص وتضحك وتبكي، لو كانت تلك الكتب نسخا افتراضية في جهاز قارئ إلكتروني لفقدت القصة حتما سحرها وجمالها ومعناها. 

ما وراء القصة
كتب وليام جويس القصة تحية "لبيل موريس" Bill Morris صديقه الذي كان يعمل في مجال النشر والمكتبات وكان عاشقا للكتب. كان "بيل" مريضا مرض الموت عندما زاره "وليام" وفكر في كتابة قصة  تقديرا لمسيرته مع الكتب. ثم اجتاح إعصار كاترينا ولاية لويزيانا الأمريكية موطن " وليام جويس" الذي لاحظ اثناء تجواله في الملاجيء التي اعدت لتوفير الحماية والطعام للمتضررين كيف استقبل الأطفال الكتب الممنوحة لهم ضمن المساعدات، كان الأطفال يبدون وكأن الحياة قد ردت إليهم في صحبة كتاب يمنحهم عالما خاصا ويحيطهم بسياج منيع يفصلهم عن ما يحدث حولهم. فاكتملت بذلك أركان القصة وبعث "موريس ليسمور" على الورق.
موقع الكاتب وليام جويس http://www.williamjoyce.com/
موقع الرسام جو بلوم http://joebluhm.blogspot.com/




No comments:

Post a Comment