Saturday, December 17, 2016

المنزل الأزرق


ماذا حل بحسام منذ أن سكن المنزل الأزرق؟

تساءل العصفور الذي كان يغرد على نافذته كل صباح، وتساءلت أزهار الحديقة فقد كان دائم الاعتناء بها، وشجرة البرتقال تفتقد أيامهما معا يقطف من ثمارها برتقالا شهيا، وكرته التي افتقدت اللعب معه بمرح.
المنزل الأزرق قصة ذكية رشيقة الكلمات تأليف كاتبة الأطفال المصرية سماح أبوبكر عزت، تصاحبها رسوم مميزة للرسامة السورية تانيا الكيال.  أمضيت أنا وابنتي نور وقتا ممتعا نتجاذب أطراف الحديث حول ذلك المنزل الذي سكنه حسام بعدما أهداه والده في عيد ميلاده هاتفا ذكيا ومنذ أن سكنه اختلف العالم من حوله أو لنقل اختلف حسام.
المنزل الأزرق هو الفيس بوك الذي يسكنه معظمنا مع حسام بطل القصة فأصبحنا نعيش في بيت افتراضي بلا روح. أصبح حسام لا يفارق هاتفه، عيناه معلقتان دوما بشاشته، يقطف ثمارا غير حقيقية في مزرعة افتراضية ويرسل زهورا بلا رائحة بلا روح، وازداد وزنه من قلة الحركة، حتى مدرسته أصبح يذهب إليها وخياله معلقا بشاشته فهو يريد أن يعود مسرعا إلى منزله الأزرق. ولكن العصفور وأزهار الحديقة وشجرة البرتقال و كرته الصغيرة ظلوا يأملون في يوم يعود إليهم حسام. ترى هل يعود؟
أحبت نور الفكرة كثيرا وأخذتها وسيلة للفت انتباهي إلى أنني أمضيت في الفترة الأخيرة وقتا طويلا داخل المنزل الأزرق وأنني في بعض الأحيان كنتُ مثل حسام، عيناي معلقتان بشاشة هاتفي ولا أسمع حكاياتها. ولم تنس أن تذكرني بأنها لا تسكن المنزل الأزرق لأني لم أسمح لها بذلك، وكيف أنني كنت في فترات أفصح لها عن رغبتي في خروجي منه وصفع الباب ورائي بقوة. القصص الذكية هي التي تفتح بابا من الأسئلة والمكاشفة.. أليس كذلك؟ والمنزل الأزرق يفتح ذلك الباب على مصراعيه.
أحببنا أيضا كيف رسمت الرسامة تانيا الكيال العصفور حرا طليقا ووضعت فوق رأس حسام قفصا.  
قصة المنزل الأزرق من انتاج دار البنان – لبنان ومرشحة في القائمة الطويلة لنيل جائزة الشيخ زايد لأدب الطفل لهذا العام.

Monday, November 14, 2016

السمكة الفضية

هل يمكن لصياد تنحصر مهارته في اصطياد الأسماك أن يتعايش مع سمكة دون أن يوقعها في شبكته؟ هل يمكن أن لا يعني وجود الأول فناء الثاني؟ سؤال صعب حير الكبار في عالمهم المتطاحن وقدمته الدكتورة عفاف طبالة للأطفال بأسلوب سلس رشيق من خلال قصة ناعمة حملت عنوان السمكة الفضية، رسوم المبدع الراحل الفنان عدلي رزق الله.
تحكي القصة عن عم عثمان ذلك الصياد العجوز الذي أنهكه البحر، لكنه عاشق له، فهو الخبير بأسراره، العالم بكنوزه. في أحد الأيام ومع إطلالة خيوط أشعة الشمس البراقة سمع عم عثمان نداء البحر فأخذ شبكته وسلته وأبحر بقاربه وتوكل على ربه في رزقه. في عرض البحر رمى الصياد العجوز بشبكته وبدأ في الغناء بينما ينتظر. كان غناؤه عذبا سحر سمكة فضية فاقتربت من السطح لسماع صوته العذب بالرغم من تحذير رفاقها من الأسماك، فمن سمع من قبل عن سمكة تذهب لصياد بإرادتها الحرة؟
عندما اقتربت السمكة حدث الأمر المنتظر ووقعت في شبكة الصياد. طلبت منه في أسى أن يتركها، فليس من المعقول أن يكون جزاء إعجابها بصوته الوقوع في شبكته! ولكن الصياد استغرب من طلبها، كيف يتركها تمضي إلى حال سبيلها وهي السمكة الوحيدة التي استطاع اصطيادها منذ مدة طويلة؟
في النهاية نجح الصياد والسمكة في إيجاد حل للتعايش معا لكن الأمر تطلب مجهودا وثقة. عندما سألت ابنتي عن أكثر ما أعجبها في القصة قالت: الأمل في أن هناك دائما طريق.
لقد أحببنا أيضا الرسوم. الفنان الراحل عدلي رزق الله ساحر الألوان المائية عن حق. شفافية الألوان والخطوط أضافت الكثير إلى القصة ونعومتها.
وأخيرا..وسط انتشار خطاب عنصري مخيف وحروب عبثية وموجات من الكراهية والتشفي وإلقاء اللوم على الآخر خاصة عبر مواقع التواصل الإجتماعي نحتاج إلى قراءة كتب مثل السمكة الفضية مع أطفالنا فهي تحث الصغار والكبار على التفكير وعلى إيجاد حلول لنشر السلام والمحبة. كتب الأطفال المصورة في رأيي لا تكتب للأطفال فقط بل تكتب للكبار أيضا كي يقرأونها مع أطفالهم، هي تذكرهم بطفل داخلهم يربكه العالم من حوله بقدر ما يدهشه، هي كتب معدة لنتواصل مع أطفالنا ومع أنفسنا والعالم من حولنا بحكاية ذكية لطيفة ورسوم جميلة.
كتاب السمكة الفضية من إنتاج دار نهضة مصر وحاصل على شهادة تقدير من مهرجان بولونيا لكتب الأطفال عام 2006 ومترجم إلى اللغات الإنجليزية والتركية والكورية. 




Friday, April 22, 2016

كيس بطاطا لن أكون

عنوان غير تقليدي لقصة مرحة وذكية أمضينا أنا وابنتي وقتا جميلا في قراءتها وضحكنا من القلب ونحن نقرأ النص المنظوم خفيف الظل للكاتبة الفلسطينية "ناهد الشوا" ونشاهد الرسوم اللطيفة الرشيقة للرسام السوري "أيهم حويجة". تروى القصة على لسان طفلة تشعر بالملل للمرور البطيء للوقت في الإجازة الصيفية ولا يبدو أن لدى أسرتها خطة لسفر قريب. تفكر في مصيرها الحتمي بين مشاهدة التلفاز و الأكل والجلوس أمام شاشة الكمبيوتر لساعات، ستنسى صوتها بالتأكيد والأخطر من ذلك أنها قد تتحول إلى (كيس بطاطا) من قلة الحركة وعدم إعمال العقل! ترفض الفتاة هذا المصير وتبدأ في إعداد خطة لمواجهة الملل والكسل. ثم تمضي أحداث القصة حيث نرى خلالها الفتاة وهي تضع خطتها قيد التنفيذ يعاونها في ذلك أفراد أسرتها والجيران.  


الحكي المنظوم واستخدام مفرادت وتراكيب لغوية رشيقة هو ما يميز أسلوب الكاتبة "ناهد الشوا" ويجعل لحكاياتها نكهة مختلفة. لقد أحبت ابنتي النص المكتوب وموسيقاه إضافة إلى تطعيم النص بالفكاهة وأعجبها كثيرا تعبير (كيس بطاطا) والآن حين ألفتُ انتباهها إلى أن وقت استخدام (الآيباد) قد أوشك على الانتهاء أصبحت تطمئنني قائلة: " متخفيش ماما مش حاكون كيس بطاطا أبدا!". لقد نجحت الكاتبة في رسم صورة ذهنية تلفت بها انتباه القاريء الطفل إلى خطورة الكسل والملل والعالم الأرحب الذي ينتظره متى عقد العزم على إعمال العقل ورغب في أن (يكون). أيضا أحببنا كثيرا ما بعد الحكاية -إن شئت أن تسميه- فقد فاجأتنا الكاتبة بلمحات من مستقبل الفتاة واختتمت الحكاية بسؤال موجه للطفل القاريء مما يفتح المجال للتفكير والنقاش. ليس من قبيل المصادفة أيضا أن تجعل الكاتبة الفتاة المحرك الرئيسي للأحداث، فهي من أدركت المشكلة وهي التي بحثت عن حل مما يدعم فكرة القدرة على أن (تكون) وأن منبع تلك القدرة من داخل الإنسان لا من خارجه.
أما عن الرسوم فقد كانت خفيفة الظل ورشيقة كالنص المكتوب. برع الرسام في رسم تعبيرات الوجه لتظهر المشاعر المختلفة للبطلة من قلق وتوتر وملل وشعور بالبهجة والإنجاز. وكان مشهد الفتاة وهي تقف كفارسة مغوارة متحدية الكسل والمرور الممل للوقت وسط الساعات المستلهم بعضها من لوحة "سلفادور دالي" الشهيرة (إصرار الذاكرة) من المشاهد المرسومة التي أحببناها.
للمزيد عن أعمال الكاتبة "ناهد الشوا" للأطفال ومشروعها القيم الذي يحمل رسالة تقديم كتب عربية بمعاييرعالمية تابعوا صفحتها على الفيسبوك على الرابط التالي: https://www.facebook.com/Nahed-Al-Shawa-The-Author-الكاتبة-ناهد-الشوا-160121034049826/

Saturday, March 5, 2016

كتب نلونها معا: سلسلة كتب (كان زمان) للتلوين

انتشرت في الآونة الأخيرة كتب التلوين الخاصة بالكبار، فلا يخلو محل لبيع الكتب الآن في الولايات المتحدة من كتب التلوين تلك. انتاج ضخم  متنوع في تصميماته وموضوعاته يحاول استيعاب سوق متنامي من محبي التلوين من البالغين. سرت حمى التلوين بين الكبار منذ صدور كتاب (الحديقة السرية) للرسامة الإسكتلندية "جوانا باسفورد" عام 2013 والذي باع أكثر من مليون نسخة على مستوى العالم. يرجع المحللون أسباب إقبال البالغين على شراء كتب التلوين إلى ظروف الحياة الضاغطة التي جعلت كتب التلوين نوعا من العلاج بالفن فمن شأنها تقليل التوتر وإراحة الذهن وهو الأمر الذي أكده المُلَوِّنون أنفسهم.
ولكني اكتشفت متعة التلوين في كتب مخصصة للكبار والصغار معا قبل صدور كتاب (الحديقة السرية) بسنوات من خلال سلسلة كتب (كان زمان) للرسام المصري القدير "حلمي التوني" والتي مازلت استمتع بين الحين والآخر بتلوينها مع ابنتي. أراد "التوني" أن يقدم كتبا للتلوين تجمع الكبار والصغار معا بدلا من أن يعيش كل منهم في عالمه وتصبح كتب الألوان مجرد فرصة لإلهاء الصغار حتى يتفرغ الكبار لما يشغلهم من أعمال. لقد ساعدتني السلسلة إلى جانب قضاء وقت ممتع مع ابنتي في التلوين إلى ربطها بذاكرة الثقافة المصرية الأصيلة البسيطة وجميلة التفاصيل، وأخص بالذكرهنا كتابيّ (أبواب مصرية) و(فوق السطوح).
في (أبواب مصرية) يوثق الرسام لجمال وتنوع الأبواب المصرية التي كانت كما يقول في مقدمته " تشكل لوحات فنية تزين بيوتنا وحياتنا" ولكنها تكاد تختفي بجمالها وتميزها عن عالمنا الآن. كل رسم للتلوين له نموذج ملون في الصفحة المجاورة للإرشاد وليس بالضرورة للنقل. يمكن للطفل التعرف أثناء التلوين ومن خلال التفاعل مع الكبارعلى التنوع في الثقافة المصرية من خلال الأبواب، حيث تَجِد في الكتاب أبوابا من بلاد النوبة الساحرة، ومن الأسكندرية ووجه بحري، وأبوابا من القاهرة، ومن الصعيد. أثناء التلوين تخيلت أنا وابنتي الحكايات والقصص التي تدور خلف تلك الأبواب، أليست الأبواب مدخلا لعوالم وحكايات؟ رسم "التوني" إلى جوار بعض الأبواب شخوصا، فأسمينا تلك الفتاة التي يبدو من باب بنايتها أنها تعيش في شقة في المدينة "سميرة" وتخيلنا أنها تبدو قلقة بعض الشيء فاليوم أول يوم في مدرستها الجديدة. وأسمينا تلك الفتاة التي تفتح الباب الأزرق الخشبي في خجل "أميرة" ولكننا احترنا في تفسير خجلها... ترى هل بالباب زائر غريب؟ وتمنينا أن يكون لنا بيت شتوي مثل البيت الذي يطل بابه على النيل والنخيل في النوبة.
في كتاب (فوق السطوح) يوثق "التوني" لأهمية سطح المنزل في الثقافة المصرية وذلك قبل أن تتحول أسطح المنازل كما يوضح الرسام إلى مخازن للأشياء المهملة ومساحة لزراعة أطباق الاستقبال. كما يتميز(فوق السطوح) بوجود نصوص قصيرة في نهاية الكتاب تشرح القصة وراء كل رسمة من الرسومات المعدة للتلوين. بالكتاب أربع عشرة لوحة لمشاهد مختلفة من فوق أسطح المنازل المصرية. هناك مشاهد للأطفال وهم يطعمون العصافير، أويطلقون الطائرات الورقية، أويلعبون الحجلة، أو يراقبون عودة طائر "أبوقردان" ساعة الغروب. كما توثق الرسوم لبعض عادات الأسر المصرية المرتبطة بالسطوح مثل نشر الغسيل، و إقامة أفران صغيرة لصناعة ما يحتاجونه من الخبز، والاستمتاع مع العائلة بمص قصب السكر في أيام الشتاء المشمسة، وإقامة الأفراح. من بين المشاهد التي أحبتها ابنتي مشاهد العجين والخبز، وغية الحمام، وإطعام العصافير، وتبادل الكراسات في الليالي المقمرة حيث ابتهجت لرؤية الوجه الضاحك للقمر. اتاح لي الكتاب أيضا فرصة مناقشة اختلاف طرق بناء البيوت بحسب البيئات المختلفة معها، حيث انتبهتْ إلى الفرق بين أسطح البيوت المصرية وأسطح البيوت في الولايات المتحدة التي تصنع من القرميد الأحمرفي الغالب وتصمم بشكل مائل يسهل انحدارالثلوج ويمنع تراكمها فوق الأسطح.
أفكار كثيرة يمكن للآباء والأمهات والمعلمون أيضا مناقشتها واستنباطها من تلك السلسلة القيمة منها: كيف نعيد لأسطح البيوت المصرية جمالها؟ هل يمكن تحويلها إلى مساحات خضراء؟ أو أن نستخدمها لوضع ألواح الطاقة الشمسية لانتاج الكهرباء؟ أما عن الأبواب فيمكن أن نصمم أبوابا متخيلة معا... ربما باب لمنزل سحري أو باب لحلم ما. هذا بالطبع إضافة إلى قضاء وقت ممتع في التلوين مع الأبناء والتواصل معهم وإراحة الذهن من ضغوط  الحياة اليومية ولو ساعة من الزمن.

في هذه السلسلة أيضا: جدتي نفرتيتي؛ بيت العز؛ مناظر مصرية. تصدر عن دار الشروق بمصر.