Monday, May 4, 2015

يا له من عالم رائع


قد يبدو هذا العنوان تهكميا أو مجافيا للواقع وغير متسق مع ما يحيط بنا من حروب طاحنة، وصراعات مُهلكة، ومجاعات، وأوبئة، وتلوث إلى آخر القائمة العبثية. عن أي عالم رائع تتحدث! هذا بالضبط ما قاله بعض الشباب في أواخر الستينيات منتقدين مغني الجاز الأمريكي الأشهرلويس أرمسترونج Louis Armstrong لغنائه (يا له من عالم رائع) من تأليف بوب ثيل Bob Thiele وألحان David Weissدايفد وايس عام 1968. ولكن "أرمسترونج" أجابهم بأبوية خالصة قائلا: فلتستمعوا إلى المغني العجوز دقيقة، لا يبدو العالم لي سئيا لهذه الغاية، ولكن ما نفعله نحن به يجعله كذلك.

عندما انتبهت ابنتي إلى كتاب (يا له من عالم رائع) أو What a wonderful world أثناء تجوالنا في مكتبة لبيع الكتب، خطر لي نفس الخاطر الذي جال برأس شباب الستينيات من القرن الماضي " عن أي عالم رائع تتحدث"، ولكني لاحظت اهتمام ابنتي بالكتاب والابتسامة التي أنارت وجهها وهي تقلب صفحات الكتاب الذي اتخذ من كلمات الأغنية موضوعا. فأخذت أقلب معها صفحات الكتاب ووجدتني أدندن لحن الأغنية، الذي لم اسمعه منذ فترة طويلة، فتذكرت كم هي مرحة الإيقاع. لقد أعاد الرسام تيم هوبجوود Tim  Hopgood إلى الأذهان تلك الأغنية المبهجة برسومه المشرقة الألوان وخطوطه المرحة. حيث نتتبع من خلالها صبيا يدهشه العالم من حوله بأشجاره الخضراء وزهوره الحمراء التي يعتقد أنها تتفتح من أجله، فيقول لنفسه ياله من عالم رائع. تدهشه زرقة السماء وبياض السحب، ويدهشه بريق النهار وجلال الليل، وتبهره ألوان قوس قزح التي يرى جمالها منعكسا في وجوه المارة. يرى الصبي المحبة في مصافحة الأصدقاء. وبكاء الرضائع يجعله يفكر في اليوم الذي سيكبرون فيه ويتعلمون أكثر مما سيعرف. 



لقد استطاع الرسام بألوانه التي غلب عليها اللون الأصفر والأخضر والأزرق بدرجاتها المختلفة أن ينقل لنا الأمل الذي تحمله كلمات الأغنية إلى أرواحنا. يقول "هوبجوود" إنه عندما اهدته ابنته نسخة قديمة من الأغنية، والتي وجدتها في سوق للسلع المستخدمة، شعر فور سماعها أنه يريد أن يرسمها. لقد استمع إليها أول مرة وهو يحمل من العمر ست سنوات وكان لها تأثير مبهج. فأراد أن يذكر الناس بها وينثر بهجتها في نفوس الأطفال. حسنا ما فعل، لقد كدت للحظة أن انساق وراء مشاعر الغضب من العالم الذي لا يبدو لي رائعا على الإطلاق، ولكن ابنتي ببرائتها انتبهت إلى الكتاب لأنه يحمل أملا. قرأت الكتاب مع ابنتي لأنني أريدها أن تقبض على ذلك الأمل، أريدها أن ترغب في استكشاف العالم لا أن ترهبه، أريدها أن تعتقد في العلاقات الطيبة بين البشر، وأن تؤمن بالمحبة والرحمة. قد يبدو ذلك للبعض وهما أو أملا زائفا، ولكن كما قال "أرمسترونج" ردا على منتقديه " كيف يمكن العالم أن يكون لو أعطيناه فرصة". 

فسحة أمل هذا ما يتطلبه الأمر، أراها في فتاة في مخيم لاجئين تذهب إلى المدرسة في ظروف قد لا يمكنني استيعابها لكنها تصر على التعلم، في رب أسرة، في ذات المخيم، يزرع حديقة صغيرة أمام خيمته ليلعب فيها أطفاله ولتذكرهم بوطنهم كيف كان وراف الظلال وجميلا، وأن حتما من عودة. فسحة أمل هذا ما يتطلبه الأمر، وهذا ما يمنحه كتاب (ياله من عالم رائع) للأطفال وللكبار أيضا.






موقع الرسام الأمريكي Tim Hopgood http://www.timhopgood.com/