Tuesday, October 20, 2015

ماذا تفعل بفكرة؟



ماذا تفعل بفكرة خاصة إذا كانت مختلفة أوجريئة أو ربما جامحة بعض الشيء؟ هل تمتلك جرأة تتبعها لترى أين ستفضي بك؟ هل تناضل من أجلها؟ لقد أمضى العالِم والفلكي الإيطالي جاليلليو ما تبقى من عمره قيد الإقامة الجبرية في بيته لتبنيه نظرية كوبرنيكوس التي تثبت أن الشمس هي مركز الكون وأن الأرض تدور حولها حيث عدتها الكنيسة الكاثوليكية آنذاك هرطقة. وعندما اطلع عالِم الأحياء البريطاني تشارلز داروين العالم على نظريته عن التطور بالانتخاب الطبيعي واجه انتقادات حادة من الناس والكنيسة بل ومن المجتمع العلمي نفسه. ودفع القس والناشط السياسي الأمريكي مارتن لوثر كينج حياته ثمنا لفكرة المساواة في الحقوق المدنية. بمرور الأزمنة لُقِب جاليلليو بأبي العلم الحديث، وأصبحت فكرة الانتخاب الطبيعي حجر الزاوية في علم الأحياء الحديث، وأصبح للولايات المتحدة رئيس أسود. تلك الأفكار وغيرها أثرت في تاريخ البشر ومجرى حياتهم وفهمهم للكون ومحيطهم الحيوي، ولكن لماذا يخاف الناس الأفكارَ المختلفة عن السائد؟ وهل كل الأفكار حملت بالضرورة تغييرا أفضل للعالم؟

 كل تلك الخواطر والحكايات السابقة جلبها نقاش مع ابنتي التي تحمل من العمر تسع سنوات لكتاب (ماذا تفعل بفكرة؟) أو (what do you do with an idea?) من تأليف الكاتب الأمريكي كوبي يمادا  Kobi Yamada ورسوم الرسامة الصينية ماي بيزم Mae Besom .  يحمل الكتاب رؤية عميقة عن دورة حياة الفكرة لكنها مقدمة بأسلوب بسيط ومرح ورسوم رقيقة. تمتد الفئة العمرية للكتاب لتشمل طفلا لا يجيد القراءة بعد ولكنه يتلمس طريقه إلى عالم الكتب والأفكار من خلال الاستماع إلى حكي القصة أو طفلا بعمر ابنتي بإمكانه قراءة كتب ذات فصول. وهذا شأن الكثير من كتب الأطفال المصورة التي اطلعت عليها في الولايات المتحدة وعبقريتها وجمالها في آن.

تبدأ القصة بطفل صغير يحكي لنا أنه في يوم من الأيام جاءته فكرة. يتساءل الطفل من أين جاءت؟ ولماذا جاءت؟ وماذا يفعل بها؟ طوال القصة لا نعرف كنه الفكرة. الكاتب يقدم للأطفال هنا الفكرة كمفهوم مجرد،  هي دورة حياة الفكرة وما تفعله بصاحبها، مشاعره نحوها، احباطاته وأحلامه عنها، عزيمته لتتبعها حتى تتشكل معالمها وتغير العالم من حوله.  في البداية لم يعر الطفل الفكرة اهتماما فقد بدت غريبة وهشة لذلك انصرف عنها ولكنها ظلت تتبعه. ثم ما لبث أن انتابه شعورا بالقلق! ترى ماذا سيقول الأخرون عن فكرته؟ لذلك أخفاها واحتفظ بها لنفسه، ولكنه لم يستطع أن ينكر أن هناك شيئا ساحرا عن فكرته، كان عليه أن يعترف بأنه يشعر أكثر بالسعادة عندما يكون بصحبتها. كانت تحتاج منه الكثير من الرعاية. كانت تريد غذاءا ولهوا حتى بدأت تكبر شيئا فشيئا فأصبح هو والفكرة صديقين. 

وبالرغم من خوفه من رأي الناس قرر أن يطلعهم عليها. لقد كان خائفا أن يتهكموا على فكرته أو أن يظنوا أنها ساذجة، وهذا ما فعله الكثيرون. لقد ظن البعض أن لا فائدة منها وظن البعض الآخر أنها غريبة جدا، بل حاولوا أن يثبطوا عزيمته بقولهم إنه يهدر وقته في ما لا يجدي نفعا. في البداية صدقهم وفكر في أن يحجم عنها، ولكنه أدرك أنها فكرته لا أحد يعرفها حق المعرفة كما يعرفها هو، فلتكن مختلفة وغريبة أو حتى جامحة لقد قرر أن يحميها ويمنحها اهتمامه. كبرت الفكرة أكثر وأكثر وأحبها وترك لها مساحة لتحلم ويحلم معها حتى كشفت له عن أسرارها، لقد علمته مثلا كيف يمشي على يديه لأنه من المفيد أن نرى الأشياء من زاوية مختلفة! وفي أحد الأيام حدث شيء رائع، لقد أصبح لفكرته أجنحة وانطلقت أمام عينيه نحو السماء، لا يعرف كيف يصف ما حدث ولكنها أصبحت في كل مكان، لقد أصبحت جزءا من كل شيء، وعندها أدرك الصبي ماذا تفعل بفكرة... إنك تغيرالعالم بها.

أضافت الرسوم الكثير إلى النص وإلى النقاش مع ابنتي أيضا. بدءا من اختيار الرسامة لتجسيد الفكرة في شكل بيضة ذهبية اللون على رأسها تاج وتمشي على قدمين. لم أحب كثيرا تجسيد الفكرة على شكل بيضة وفكرت في أن تجسيدها على شكل برعم ربما كان أجمل، ولكن ابنتي أحبت شكل البيضة ورأت أنها خفيفة الظل كما لاحظت أن في الرسوم الأخيرة تظهر بعض الشقوق على جدار البيضة بما ينذر القاريء بقرب كسر جدارها وانطلاقها. امتازت الرسوم بالدقة والبساطة. كما اختارت الرسامة أيضا أن يكون الطفل والعالم من حوله رماديا حيث تظهر الألوان في القصة تدريجيا حول البيضة الذهبية في الأساس لتغمر الألوان الطفل وعالمه بعد انطلاق الفكرة في كل مكان. 


المزيد عن كوبي يمادا وأعماله التي يغلب عليها طابع الشغف بالحياة على هذا الرابط http://www.biblio.com/kobi-yamada/author/66461
موقع الرسامة ماي بيزم

12 comments:

  1. كم أتمني ان تتوفر مثل هذه الكتب فى عالمنا العربي لاننا نحتاجها بشدة هناك قلة فى انتاج كتب للاطفال .....مسرورة بمشاركتك ِ لنا بقراءاتك مع طفلتك ِالجميلة ...دائما ً بانتظاركِ لبني :))

    ReplyDelete
    Replies
    1. ايناس الغالية أشكر لك متابعتك واهتمامك دوما بالتعقيب.. بالفعل الإنتاج قليل مقارنة بالإنتاج في الولايات المتحدة مثلا.. ولكن هناك انتاج ودور النشر العربية تحاول وسط ظروف سيئة جدا للعمل.. محبتي

      Delete
  2. منين أقدر أجيبهم ؟

    ReplyDelete
  3. تحياتي سلمى :) على موقع أمازون كل الكتب موجودة

    ReplyDelete
  4. جميل جدا تجربتك مع بنتك ومع الكتب عظيمة

    ReplyDelete
  5. شكرا هنا لمرورك الكريم على المدونة وأسعدني أنها راقت لك

    ReplyDelete
  6. الكتب عظيمة .وا نت رائعة جدا .... مفيش كتب بديعة وممتعة كدا بالعربية ؟؟؟

    ReplyDelete
    Replies
    1. أشكرك صفاء لمنح المدونة بعضا من وقتك واهتمامك بالتعقيب.. طبعا هناك كتب جميلة باللغة العربية ساعرض لها باذن الله ولكني اقيم حاليا بالولايات المتحدة حيث يوجد سوق ثري لكتب الأطفال واليافعين فأحببت أن اطلع القاريء العربي عليه:)

      Delete
  7. https://youtu.be/mSfNv0-SgJM فديو عن القصه

    ReplyDelete
  8. شكرا للمشاركة الأخ عبد الفتاح .. سعدت بمرورك

    ReplyDelete
  9. اشكرك كثيرا على هذه الروائع و اتمنى ان تدرج الكتب التى طالعتها مع ابنتك فى اعوامها الاولى

    ReplyDelete
    Replies
    1. شكرا كثيرا داليا على المرور الكريم ..وأسعدني أن اختيارات الكتب قد لاقت استحسانك.. هناك بالفعل كتب أحبها أنا وابنتي ونحتفظ بها من الأعوام الأولى..سأحاول أن اكتب عنها قريبا باذن الله

      Delete