Sunday, April 12, 2015

فضول الحدائق



هل انتبهت من قبل للحدائق الصغيرة المحبة للاستطلاع؟ أعني تلك الأعشاب الخضراء والزهور البرية ذات الفضول التي تشق طريقها وسط شقوق الأرض المرصوفة أو وسط شقوق الجُدران أو الأماكن المنسية. لقد جذبت تلك الحدائق الصغيرة انتباه " ليام" صبي المدينة الشغوف الذي يحب الاستكشاف والمشي تحت المطر.

يحكي لنا كاتب الأطفال والرسام بيتر براون Peter Brown ببراعة ورشاقة في كتابه المصور the Curious Garden  أو إن شئت " الحديقة المحبة للاستطلاع" قصة ذلك  الصبي "ليام" الذي يعيش في مدينة خالية من الحدائق والأشجار أو أية خضرة حتى أن سكان المدينة يقضون معظم أوقاتهم في الداخل فقد كانت المدينة كئيبة المنظر حقا. ولكن بالرغم من ذلك كان "ليام" يحب التجوال في شوارع المدينة، تستطيع أن تميزه بوضوح يمشي وحيدا بمظلته الحمراء وسط اللون البني الخالي من البهجة للمباني والمصانع التي تنفث مداخنها دخانا كثيفا أسود اللون. في صباح أحد الأيام اكتشف "ليام" أثناء تجوله ناحية السكة الحديد القديمة بيت درج يؤدي إلى الخطوط القديمة المعلقة التي توقفت عن العمل منذ سنوات طويلة. صعد "ليام" الدرج بسرعة وكان أول ما التفت إليه عندما وصل إلى خط السكة الحديد رقعة ملونة وحيدة من زهور برية ونباتات شقت طريقها وسط خط السكة الحديد. اقترب منها "ليام" ليتفحصها فاكتشف أنها على وشك أن تموت فأدرك أنها بحاجة إلى بستاني ليرعاها. لم يكن "ليام" بالطبع بستانيا ولم يرع نباتات من قبل ولكنه كان يعلم أن بإمكانه المساعدة. في اليوم التالي عاد إلى تلك الحديقة الصغيرة الوحيدة وشرع في العمل، صحيح أنه كاد أن يغرق النباتات وهو يسقيها كما ارتكب بعض الأخطاء في تشذيبها، لكن النباتات تحلت بالصبر ريثما يجد "ليام" أساليب أفضل للعناية بها.
وبمرور الأسابيع أصبح "ليام" أكثر احترافا في رعاية النباتات وشعر أنه أصبح بستانيا متمرسا وشعرت النباتات أنها حديقة حقيقية. لاحظ "ليام" أن حديقته ليست حديقة عادية لقد بدا له أن الحديقة قلقة تريد أن تستكشف الأماكن حولها. كانت الحشائش

والطحالب أول من بدأ في التحرك والظهور في أماكن أخرى على خط السكة الحديد، ثم تلتها النباتات الأكثر رقة كالزهور البرية. وبتعاقب الأشهر كان "ليام" وحديقته قد استطلعا كل ركن في خط السكة الحديد. ولأن "ليام" وحديقته لديهما فضول فقد امتد استطلاعهما إلى باقي أركان المدينة، تشق الحديقة طريقها وسط الأماكن المنسية وشقوق الأرض، ويضع "ليام" بعضها خلسة في أصص على أبواب البيوت أو يضعها على جوانب الطرق. ما حدث بعد ذلك كان مدهشا حقا فقد انتبه سكان المدينة إلى تلك الحدائق وبدأوا في الخروج من مساحاتهم المغلقة وشرعوا في العناية بها. وبمرور السنوات أينعت المدينة كلها بالأشجار والورود والحدائق، ولكن ظلت حديقة "ليام" الأولى على خط السكة الحديد القديم هي الأقرب إلى قلبه حيث بدأ كل شيء. 

أمضيت أنا وابنتي نور وقتا ممتعا ونحن نقرأ تلك الحدوتة الذكية الناعمة ونعاود قراءتها بين الحين والآخر لجمال وبساطة رسومها وإشراقة ألونها وسلاسة لغتها. منذ البداية تتفاعل مع الرسوم التي أضافت الكثير للقصة ورسالتها، منذ أن ظهر "ليام" كنقطة صغيرة ملونة بشعره الأحمر ومظلته الحمراء وسط مشهد عام للمدينة الموحشة التي يغلب عليها اللون البني ليشعر القاريء بأنه يحمل أملا وبهجة. كما أصبحت أنا ونور نبحث عن تلك الحدائق ذات الفضول أينما ذهبنا نتفحصها ونلتقط لها الصور. بالفعل بإمكان النباتات أن تشق لها طريقا للحياة في أكثر الأماكن غرابة. لقد استطاع "ليام" بشغفه وحلمه أن يغير وحديقته المحبة للاستطلاع والحياة العالمَ من حوله، فليس هناك مستحيل طالما وجِد الشغف والعمل وحب الحياة.

ما وراء القصة
استلهم بيتر براون قصته من تجواله في المدن والبلدان. فقد كان يبدو مستحيلا بالنسبة إليه أن تحيا الطبيعة وتزدهر في مدينة من الاسمنت والطوب والحديد المسلح إلا أنه كلما ارتحل أو تجول ودقق النظر وجد أن الطبيعة شغوفة وقوية لأقصى حد، تشق طريقها في أي مكان خاصة في الأماكن التي نهجرها. كما جاءت قصته بمثابة دعم لحديقة الخط المعلق أو الخط المرتفع the High Line في الجزء الغربي لمنهاتن أكثر أحياء مدينة نيويورك تكدسا بالسكان. وهو خط سكة حديد معلق ومهجور منذ عقود شقت الحشائش والزهور البرية والأشجار طريقها فيه وجعلته بيتها. أرادت البلدية أن تزيل خط السكة الحديد المعلق إلا أن أحد سكان المنطقة ويدعى "بيتر أوبلتز" تحدى خطة الإزالة في المحاكم ثم أنشئت جميعة أصدقاء الخط المعلق للحفاظ على الخط وحدائقه وجعله مساحة خضراء مفتوحة للعامة. واليوم بإمكان الزائر للحي الغربي لمنهاتن إذا ما نظر إلى الأعلى أن يرى حديقة وارفة ممتدة فوق الشوراع وبين البنايات. 

موقع الرسام وكاتب الأطفال بيتر براون
موقع أصدقاء الخط المرتفع 



2 comments:

  1. فى طريقي لعملي القديم كنت امر على نافذة مهجورة فى شارع هادى ، اكتشفت فى احدي الايام بروز نبتة خضراء صغيرة بتلك النافذة المهجورة ، اشعرتنى بالبهجة طوال تلك السنوات وأنا اراقب نموها وتساقط اوراقها فى الخريف ، ثم بزوغ وريقاتها من جديد فى الربيع ...تدوينة جميلة ومبهجة كتلك النبتة ، اتمني ان تشاركينا بالمزيد ...لك محبتى دائما

    ReplyDelete
  2. ايناس تحياتي وشكرا لمشاركتك تلك القصة الجميلة عن النبتة التي ابهجتك لسنوات.. يا رب دوما تجدين ما يبهجك

    ReplyDelete